Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 3 أبريل 2023

كتاب جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث

كتاب جمل الغرائب للنيسابوري وأهميته في علم غريب الحديث إعداد الدكتور محمد أجمل أيوب الإصلاحي

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، نبينا محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، وعلى من تمسك بسنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

 

أما بعد، فإن أشرف العلوم ما وُضِعَ لخدمة كتاب الله وسنة رسوله e، وقد اعتنى علماء الإسلام بهذين الأصلين اعتناءً عظيماً لا نظير له في تاريخ الأمم. ومن أوائل فنون العلم التي نشأت لخدمة القرآن الكريم ما سمي بفن غريب القرآن. ورديفه من أنواع علم الحديث دُعي بفن غريب الحديث. والمقصود بالغريب هنا ما وقع في متن الحديث من لفظ أو أسلوب خفي معناه وأشكل لسبب من الأسباب، "وهو فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ثم أهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي" كما قال ابن الصلاح (643هـ)، ونُقل أن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- سئل عن حرف من غريب الحديث، فقال: "سَلُوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله e بالظن، فأخطئ"([1]).

 

وكان نشوء هذا الفن في القرن الثاني الهجري على أيدي علماء اللغة، ثم اضطلع به العلماء الذين كانوا بجانب تمكنهم من اللغة مشاركين في علم الحديث والفقه، فأبدعوا في التأليف فيه، وكان أولَهم أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (224هـ). ثم تتابعت المصنفات في هذا الفن، حتى أربى عددها -فيما بلغه علمنا- على مائة مصنف.

 

وقد وصل إلينا معظم أمهات هذا الفن -على نقص في بعضها- وطبع، وهناك كتب لا تزال مخطوطة، ومنها كتاب ((جمل الغرائب)) لبيان الحق محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري.

 

ليس كتاب النيسابوري هذا من أصول هذا الفن، ولكن له مزية على نظائره من كتب المتأخرين. وهو أن مؤلفه استقى مادته من أصول كثيرة نص عليها في مقدمته. ومنها كتب الأوائل التي ضاعت فيما ضاع من تراث الإسلام، نحو كتب النضر بن شميل (203هـ) وقطرب (206هـ) وأبي عبيدة (210هـ) والأصمعي (216هـ) وأبي سعيد الضرير. ومن موارده كتاب لم أر مَنْ ذكره أو اقتبس منه ولا وقفت على ترجمة مؤلفه، وهو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي([2]). وقد وضع النيسابوري رموزاً لموارده ليثبتها قبل نقل الحديث وتفسيره منها. فهذا يعين على معرفة المادة التي احتوت عليها تلك الكتب الضائعة.

 

ثم رتب النيسابوري كتابه على الموضوعات مثل الجوامع والمسانيد من كتب الحديث. وهو منهج لم يسبقه فيه إلا أبو عدنان السلمي من أصحاب أبي زيد الأنصاري (215هـ) إذ رتب كتابه على أبواب السنن.

 

ولهاتين المزيتين -ولا سيما الأولى- رأيت أن أعرِّف بالكتاب المذكور في هذا البحث الذي أقدمه في المحور الثاني (الموضوع الحادي عشر) من محاور الندوة التي يعقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عن السنة والسيرة النبوية.

 

وقد انتظم هذا البحث تمهيداً وفصلين: فالتمهيد يشتمل على ذرو من القول في نشأة فن غريب الحديث، ومصنفاته المشهورة ومناهجها، مع الإلماع إلى أهم ما طبع منها وما لا يزال مخطوطاً. والفصل الأول في سيرة بيان الحق النيسابوري ومؤلفاته. وقد ترجم له ياقوت ترجمة مقتضبة، وعليها اعتمد السيوطي وغيره، فأثبتها أولاً، ثم أضفت إليها بعض المعلومات المستخرجة من كتب النيسابوري وغيرها. وتحدثت في الفصل الثاني عن الغرض من تأليف كتاب جمل الغرائب، وموارده، وترتيبه، ومنهجه في التلخيص والتفسير، وبعض المآخذ عليه.

 

وليس هذا البحث دراسة لكتاب جمل الغرائب، وإنما قصد به التعريف والتنويه. وليس بين يديّ عند إعداده إلا قسم من نص الكتاب مطبوعاً على الحاسوب، بعث به إلي من لندن الدكتور محمد راشد أيوب الإصلاحي الذي يحققه مستنداً إلى ثلاث نسخ، فجزاه الله أحسن الجزاء.

 

وإني لشاكر لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، على أن شَرَّفني بدعوتي للمشاركة في هذه الندوة التي تقام في مدينة رسولنا e، ويتحدث فيها المتحدثون عن سنته السنية وسيرته العطرة، فما أشرف المقام، وما أجل الموضوع، وما أطيب الحديث، وما أسعد المتحدثين!

 

أسأل الله عز وجل أن يتقبل أعمالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يحيينا ويميتنا على طاعته وطاعة رسوله e.

 

التمهيد: لمحات عن علم غريب الحديث

 

متى نشأ علم غريب الحديث؟ وكيف كانت عناية أهل العلم به؟ وما أهم المصنفات فيه، وما وجوه التماثل والتفاضل فيما بينها؟ قد أبدع القول في هذا الموضوع من علمائنا المتقدمين: أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (388هـ) ثم مجد الدين بن الأثير الجزري (606هـ)، فكلاهما كتب في مقدمة غريبه فصولاً بليغة أرَّخ فيها علم غريب الحديث ذاكراً أهم الكتب التي ألفت فيه إلى زمنه، مبيناً عن مراتبها، وكاشفاً عن خصائصها التي ينفرد بها بعضها عن بعض.

 

أما الباحثون المعاصرون، فلعل أول من أرَّخ هذا العلم منهم هو الدكتور حسين نصار الذي عقد له فصلاً في كتابه "المعجم العربي – نشأته وتطوره" استغرق نحو ثلاث عشرة صفحة([3]).

 

ثم لما عني الدكتور شاكر الفحام بتحقيق كتاب الدلائل في غريب الحديث للعوفي (302هـ) قَّدم بين يديه سلسلة مقالات نفيسة ضافية نشرها في سنتي 1975 و 1976م في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، ودرس فيها تاريخ هذا العلم إلى عهد العوفي ومخطوطات كتابه دراسة بارعة متقنة.

 

وكتب الغريب التي نشرت، تصدَّرتها جميعاً مقدمات عرض فيها محققوها هذا الموضوع حسب طرائقهم في الاختصار أو الإطناب. ثم كتبت فيه بعض الرسائل الجامعية([4]).

 

ومع كل ذلك، فإن علم غريب الحديث لخليق بأن تقدَّم دراسة تاريخية له في هذه الندوة الكريمة مع عرض شامل لمصنفاته: ما وصل منها وما لم يصل، وما طبع منها ومالم يطبع. ولعل أحد الباحثين المشاركين في هذه الندوة سينهض بتلك الدراسة. أما هذا البحث الذي عُقد للتعريف بكتاب واحد من كتب غريب الحديث المخطوطة، فلا موضع فيه للتفصيل، فأكتفي هنا بالكلام على ثلاث نقاط تكون مدخلاً إلى موضوع البحث.

 

(1) نشأة علم غريب الحديث

 

ظهرت الكتب الأولى في غريب الحديث في القرن الثاني الهجري، ولكن من السابق إلى التأليف فيه؟ لم يجزم في ذلك أبو محمد عبدالله بن جعفر المعروف بابن درستويه (347هـ) حينما تحدث عن كتب غريب الحديث فقال:

 

"وكتاب غريب الحديث أول من عمله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وقطرب، والأخفش، والنضر بن شميل، ولم يأتوا بالأسانيد، وعمل أبو عدنان النحوي البصري كتاباً في غريب الحديث ذكر فيه الأسانيد… فجمع أبو عبيد عامة ما في كتبهم…"([5]).

 

فجعل ابن درستويه العلماء الأربعة بل الخمسة في قرن واحد، ولم يصرح بسبق بعضهم بعضاً، وإن استهل كلامه بذكر أبي عبيدة معمر بن المثنى؛ خلافاً لحديثه فيما بعد عن غريب القرآن إذ صَرَّح فيه بأن "أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش…". ولكن الحافظ أبا عبدالله الحاكم النيسابوري (405هـ) قال جازماً: "فأول مَنْ صنَّف الغريب في الإسلام النضر بن شميل (203هـ) له فيه كتاب، هو عندنا بلا سماع. ثم صنف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام"([6]). نقل أبو عمرو بن الصلاح (643هـ) قول الحاكم في مقدمته، ثم عقب عليه: "ومنهم من خالفه، فقال: أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى"([7]).

 

وقد أيد شمس الدين السخاوي (902هـ) في ((فتح المغيث)) قول الحاكم، فقال: "وهو الظاهر"، واستدل بأن النضر بن شميل "مات في سنة ثلاث وثمانين ومائة" ثم أكد ذلك حينما نعى على ابن الأثير (606هـ) والمحب الطبري (694هـ) ذهابهما إلى القول الثاني "مع أن وفاته -يعني أبا عبيدة- كانت في سنة عشر ومائتين بعد الأول -يعني النضر- بسبع وعشرين عاماً"([8]).

 

ولا ريب أن ما قاله السخاوي وهم محض، فلا خلاف بين المؤرخين أن النضر بن شميل توفي سنة 203هـ وقيل سنة 204هـ([9]). ولا حقيقة لهذا القيل إلا أنه "مات في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، ودفن في أول المحرم"([10])، فقال بعضهم إنه توفي سنة 204هـ. أما أنه توفي سنة 183هـ قبل وفاة أبي عبيدة (210هـ) بسبعة وعشرين عاماً، فلم يقل بذلك أحد قبل السخاوي ولا بعده. ثم ولد أبو عبيدة سنة 110هـ، وولد النضر في حدود سنة 122هـ فأولهما أقدم من الثاني باثني عشر عاماً. ولكن ليس في شيء من ذلك حجة على كون أحدهما سابقاً والآخر مسبوقاً في تأليف غريب الحديث، فإنهما على كل حال عاشا ثمانين سنة في زمن واحد.

 

والقول الثاني الذي ذكره ابن الصلاح هو الذي عَوَّل عليه ابن الأثير الجزري (606هـ)، في مقدمة النهاية فقال: ".. فقيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئاً وألف أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتاباً صغيراً ذا أوراق معدودات… ثم جمع أبو الحسن النضر ابن شميل المازني بعده كتاباً في غريب الحديث أكبر من كتاب أبي عبيدة، وشرح فيه وبسط على صغر حجمه ولطفه، ثم جمع عبدالملك بن قريب الأصمعي…"([11]).

 

لم يشر ابن الأثير -كما نرى- إلى قول الحاكم، وإنما ذكر قولاً واحداً وهو أن أبا عبيدة سبق معاصره النضر بن شميل إلى التأليف في غريب الحديث وأكد ذلك باستعمال كلمتين: "ثم" و "بعده". ولم يكن افتتاح ابن الأثير كلامه هنا بلفظة "قيل" للتضعيف، فإنه لم يشر البتة إلى قول آخر يرجحه في هذه المسألة، وإنما كان سبيله سبيل من يجد بين يديه قولين أو أكثر، فيختار منهما ما يستحسنه ويميل إليه، وإن كان لا يملك حجة قاطعة عليه.

 

وبالجملة فهما قولان مأثوران في هذه المسألة أشهرهما ما اختاره ابن الأثير "ويكاد الإجماع ينعقد عليه" كما يقول الدكتور محمود الطناحي([12]).

 

ولكن الدكتور حسين نصار ذهب إلى رأي ثالث وهو أن أول كتاب في هذا الفن ألَّفه أبو عدنان السلمي، ونسب ذلك إلى صاحب (( الفهرست ))، فقال: "عزا أكثر الباحثين الكتاب الأول في غريب الحديث إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى (210هـ) تبعاً لابن الأثير. ولكن هذا القول يجب ألا يؤخذ قضية مسلمة، فقـد نسب ابن النديم الكتاب الأول مـن هـذا النوع إلى أبي عدنان عبدالرحمن بن عبدالأعلى". ثم نقل ما جاء في الفهرست: "وله… كتاب غريب الحديث، وترجمته (ما جاء من الحديث المأثور عن النبي e مفسراً)، وعلى إثره ما فسر العلماء من السلف"([13]).

 

وأيد ما فهمه من كلام ابن النديم بأن أبا عدنان "راوية لأبي البيداء الرياحي، وهو معاصر ليونس بن حبيب، أستاذ أبي عبيدة، فأبو عدنان إذن وأبو عبيدة متعاصران، ومن المحتمل أن يسبق أحدهما الآخر في التأليف في غريب الحديث، ولكن إذا كان لنا أن نعتمد على مؤرخ، فالأجدر بالترجيح ابن النديم؛ لأنه أقدمهم وأقربهم إلى عصر هؤلاء المؤرَّخ لهم، فنقدم بذلك أبا عدنان على أبي عبيدة".

 

لم يصرح ابن النديم بأن أبا عدنان أول من ألف في غريب الحديث، ولكن الدكتور حسين نصار تأول كلامه على هذا، وذلك أنه زعم أن عنوان كتاب أبي عدنان: "ما جاء من الحديث المأثور عن النبي e مفسراً"([14])، أما الجملة التي بعدها فهي كلام مستأنف، و"ما" في قوله "ما فسر" زائدة، وقصد به ابن النديم أن العلماء من السلف إنما فسروا غريب الحديث بعد أبي عدنان. وهذا التأويل لكلام ابن النديم يبدو صحيحاً لأول وهلة. ولكن يضعفه أمور منها:

 

لو قصد ابن النديم ما ذهب إليه حسين نصار لما كان لقوله "من السلف" وجه من الكلام، ولكان لغواً من القول.

 

نقل جمال الدين القفطي (624هـ) ترجمة أبي عدنان عن الفهرست، وأورد عنوان كتابه على هذا الوجه: ".. وترجمته: ما جاء من الحديث المأثور عن النبي e مفسراً على ما فسر العلماء"([15]). وهذا يدل على أن الجملة التي فصلها الدكتور حسين نصار يراها القفطي جزءاً من عنوان الكتاب.

 

صحيح أن أبا عدنان معاصر لأبي عبيدة، ولكن عداده في أصحابه، فقد نص الصفدي في ترجمته على أنه "أخذ عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة، والأصمعي وطبقتهم"([16]). وكذلك ذكر القفطي في ترجمة شمر بن حمدويه الهروي (255هـ) أنه لقي جماعة من أصحاب أبي عمرو الشيباني وأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والفراء، ثم عدَّ منهم: الرياشي (257هـ) وأبا نصر (231هـ) وسلمة بن عاصم (270هـ) وأبا عدنان([17]). وذكره أبو الطيب اللغوي مع أبي عكرمة الضبي صاحب كتاب الخيل (250هـ) وقال: "وقد روى أبو عدنان عن أبي زيد كتبه كلها"([18]).

 

فالظاهر أن ما ورد في الفهرست إلى قوله "العلماء من السلف" هو العنوان الكامل لكتاب أبي عدنان، ومعناه أنه أورد في كتابه أحاديث النبي e، وأتبعها بما فسرها به العلماء من السلف. ولعل في نص الفهرست شيئاً من الخلل يدل عليه ما نقله القفطي في كتاب الإنباه.

 

وقد أفضت الكلام في هذه المسألة لأمرين: أولهما أني لم أقف على مناقشة لهذا الرأي، والآخر أني ألفيت أحد الباحثين قد تأثر به، فافتتح الفصل الذي عقده في كتابه لإحصاء معاجم غريب الحديث بكتاب أبي عدنان السلمي([19]).

 

(2) الغرائب المشهورات ومناهجها

 

منذ أن ظهرت الكتب الأولى في غريب الحديث على أيدي علماء اللغة، لم تنقطع سلسلة التأليف في هذا الفن، فلم يخل عصر من العصور من الجامعين فيه. وقد بلغ عدد مصنفات غريب الحديث فيما أحصاه أحد الباحثين نحو 90 كتاباً، مع أنه قد فاته ذكر بعض الكتب التي وصلت إلينا فضلاً عن غيرها([20]).

 

وقد تنوعت مناهج المؤلفين في ترتيب كتبهم وتفسير الغريب، أشير إليها في السطور الآتية بإيجاز، مع الإلماع في غضون ذلك إلى مكانتها:

 

منهج اللغويين الأوائل

 

وهو المنهج الذي اتبعه أبو عبيدة وغيره من علماء اللغة في القرنين الثاني والثالث، فكانوا يوردون الأحاديث دون ذكر أسانيدها، ثم يفسرون غريب ما فيها باختصار أو شيء من البسط([21]).

 

منهج أبي عدنان

 

كان أبو عدنان من أصحاب أبي عبيدة وأبي زيد وطبقتهما كما سبق، لكنه اختار لكتابه في غريب الحديث منهجاً جديداً، فرتَّب كتابه على أبواب السنن والفقه وذكر فيه الأسانيد أيضاً، كما وصفه ابن درستويه.

 

منهج أبي عبيد

 

لما ألف أبو عبيد القاسم بن سلام (224هـ) كتابه الحافل وجمع فيه ما تفَّرق في كتب أبي عبيدة والأصمعي وغيرهما، وأضاف إليه أحاديث وآثاراً كثيرة أوردها مع أسانيدها. قدم أحاديث رسول الله e، وأتبعها آثار الصحابة ثم التابعين، جامعاً آثار كل منهم في مكان واحد. وامتاز تفسيره "بصحة المعنى وجودة الاستنباط وكثرة الفقه"([22]). فصار كتابه قدوة "لما حواه من الأحاديث والآثار الكثيرة، والمعاني اللطيفة والفوائد الجمة"([23]).

 

وحذا حذوه في هذا المنهج ابن قتيبة (276هـ) الذي تتبع مـا فـات أبا عبيد، فاستدرك عليه في كتابه المشهور، وكذلك أبو محمد قاسم بن ثابت العوفـي السرقسطي (302هـ) في الأندلـس، وأبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (388هـ) في المشرق، وكلاهما استدرك على ابن قتيبة، ولم يطلع الثاني على كتاب الأول.

 

وهذه الكتب الأربعة هي أمهات هذا الفن، وإن لم يشتهر كتاب العوفي –مع علو منـزلته- في بلاد المشرق، لتأخر وصوله إليها.

 

وقد دارت حول هذه الأصول الجليلة مؤلفات كثيرة لشرحها أو اختصارها، أو ترتيبها، أو إصلاح غلطها، أو الانتصار لها، أو تفسير شواهدها، أو جمعها وتلخيصها في كتاب واحد.

 

منهج إبراهيم الحربي

 

انتهج أبو إسحاق إبراهيم الحربي (285هـ) في كتابه منهجاً بديعاً إذ أراد أن يجمع فيه بين نظام المسانيد عند علماء الحديث ونظام التقاليب الذي اخترعه الخليل بن أحمد (175هـ)، فلم يسلم له هذا ولا ذاك. فإذا ذكر حديثاً من أحاديث صاحب المسند، ليفسر الكلمة الغريبة التي ورد فيها، أتبعه أحاديث من المسانيد الأخرى، وردت فيها ألفاظ من مادة الكلمة الأولى، وقد يقلب المادة ولا يكون في بعض تقاليبها حديث أو أثر، ولكنه يفسر ألفاظاً لغوية من تلك التقاليب([24]).

 

ثم أفاض في تفسير غريب الحديث وشرحه وأكثر من الاستشهاد، وأسند رواياته عن علماء اللغة وغيرهم، "فطال بذلك كتابه، وبسبب طوله ترك وهجر، وإن كان كثير الفوائد جم المنافع، فإن الرجل كان إماماً حافظاً متفنناً عارفاً بالفقه والحديث واللغة والأدب"([25]).

 

وما وصل إلينا من كتاب الحربي شاهد بصحة ما وصفه به ابن الأثير.

 

منهج الهروي

 

كان أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي (401هـ) صاحب الأزهري (370هـ) معاصراً للخطابي (388هـ). وهو أول من جمع في كتابه بين غريب القرآن وغريب الحديث، ولعل فكرة الجمع هي التي هدته إلى منهج جديد ميسر لترتيب كتابه، فاستخرج الألفاظ الغريبة من الأحاديث ورتبها على أصول حروفها بادئاً بالحرف الأول ملتزماً بالثاني ثم الثالث إلا إذا خاف في كلمة ألا يفرق طلبة الحديث بين الحرف الأصلي والحرف الزائد فيها، فأثبتها في باب الحرف الأول منها وإن كان زائداً. ثم كان شرطه الاختصار فحذف الأسانيد وقلل الشواهد، وأوجز التفسير، "فانتشر كتابه بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار وصار هو العمدة في غريب الحديث والآثار" كما قال ابن الأثير([26]).

 

واستدرك على كتاب الغريبين للهروي الحافظ أبو موسى محمد بن عمر المديني الأصفهاني (581هـ) فجمع ما فاته في كتاب مرتب على ترتيب الأول، ومقارب له في حجمه وفائدته.

 

وعلى هذين الكتابين بنى مجد الدين بن الأثير (606هـ) كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر" فاستخلص منهما مادة غريب الحديث، مشيراً إلى كل منهما برمز خاص، ثم زاد عليهما زيادات كثيرة من الكتب الأخرى، فجمع كتابه بين مزيتين: مزية الإحاطة بغريب الحديث ومزية حسن الترتيب وقرب المأخذ، فطار صيته في الآفاق، واستغنى طلاب العلم به عن غيره من المصنفات.

 

منهج الزمخشري

 

اتبع أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (583هـ) منهج الهروي، غير أنه رأى أن الحديث الواحد عنده يتفرق في حروف مختلفة حسب الكلمات الغريبة التي وردت فيه، فحرص في كتابه الفائق على أن يورد الحديث، ويفسر ألفاظه الغريبة كلها في مكان واحد، فأدى ذلك إلى أن جاء كثير من الألفاظ في غير حروفها. فتدارك ذلك بالإشارة في آخر كل فصل إلى الكلمات الباقية منه والإحالة على مواضعها. ولعل النسخة التي اطلع عليها ابن الأثير من كتاب الفائق خلت من تلك الإحالات فقال: "ولكن في العثور على طلب الحديث منه كلفة ومشقة" وقال أيضاً: "فترد الكلمة في غير حروفها، وإذا تطلبها الإنسان تعب حتى يجدها"([27]).

 

هذه هي المناهج التي اتبعها أصحاب غريب الحديث في ترتيب مؤلفاتهم، ثم كان لكل كتاب منها سمات خاصة في تفسير الغريب لا موضع لتفصيلها هنا.

 

الكتب المذكورة آنفاً تناولت غرائب الأحاديث والآثار بصورة عامة. وهناك قسم من كتب الغريب قصرها مؤلفوها على كتاب من كتب الحديث، نحو تفسير غريب الموطأ لأبي عبدالله أصبغ بن الفرج بن سعيد (225هـ)، وكتاب أبي عمر الزاهد (345هـ) في تفسير غريب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وشرح غريب كتاب الإمام البخاري لابن الصابوني (423هـ).

 

وقد أفرد أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (328هـ) رسائل لتفسير بعض الأحاديث نحو شرحه لغريب كلام هند بن أبي هالة في صفة رسول الله e، وشرحه غريب حديث أم زرع، وشرحه غريب خطبة عائشة أم المؤمنين في أبيها، رضي الله عنهما. ولابن الأنباري كتاب مستقل في غريب الحديث أيضاً.

 

(3) من الغرائب المخطوطة

 

لم يبق من تراث غريب الحديـث إلا الثلث أو أزيد منه قليلاً. ونحمـد الله سبحانه على أن معظم أصول هذا الفن ومصنفاته المشهورة قد وصلت إلينا وتم تحقيقها وطبـعها. ومنها الكتـب الأربعة الأمهـات:

 

كتـب أبـي عبيد([28]) وابن قتيبة([29]) والعوفـي (السفران الثاني والثالث)([30]) والخطابـي([31]). ثم مجلدة -وهـي المجلـدة الخامسة- مـن كـتاب الحـربي([32]) ثم كتب الهروي([33])، وأبي موسى المديني([34])، والزمخشري([35])، وابن الأثير([36]). ثم كتاب عبدالملك بن حبيب القرطبي (238هـ)، وكتاب أبي عبدالله محمد بن عبدالحق المالكي (625هـ) في تفسير غريب الموطأ([37])، وكتاب مشارق الأنوار في صحاح الآثار للقاضي عياض (544هـ)([38])، ومجمع بحار الأنوار في غرائب التنـزيل ولطائف الأخبار لمحمد طاهر الفَتَّني (986هـ)([39]).

 

ومن رسائل أبي بكر بن الأنباري شرح خطبة عائشة رضي الله عنها([40]).

 

ومن كتب غريب الحديث التي لا تزال مخطوطة:

 

مجموع غريب الحديث لأبي منصور محمد بن عبدالجبار السمعاني (450هـ) وهو من مصادر الصغاني في كتابي العباب والتكملة([41]). وقد أشرت على أحد زملائي -وهو الدكتور عثمان نجران- بتحقيقه، ودللته على نسخته الثانية المحفوظة في المتحف البريطاني –وكانت مجهولة المؤلف- فنال بتحقيق قسم منه شهادة الدكتوراة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1423هـ.

 

مجمع الغرائب للحافظ أبي الحسن عبدالغافر بن إسماعيل الفارسي النيسابوري (529هـ)([42]).

 

تقذية ما يقذي العين من هفوات كتاب الغريبين للحافظ أبي موسى المديني الإصبهاني (581هـ) صاحب كتاب المجموع المغيث([43]).

 

إيجاز الغرائب وإنجاز الرغائب لجمال الدين عبدالرزاق بن أبي جعفر البيهقي النيسابوري (القرن السادس).

 

وقد كنت قرأت في مذكرات الميمني رحمه الله قوله في الكتاب المذكور: "كتاب في غرائب الألفاظ جليل جدا. مرتب كالمجمل"([44]) فأغراني كلامه بالاطلاع عليه، ولكن لما وصلتني صورة من نسخته المحفوظة في مكتبة ولي الدين بتركيا وجدته كتاباً في غريب الحديث مبنياً على اختصار شديد.

 

مقاصد أبي عبيد في معرفة غرائب أحاديث النبي e لأبي منصور المظفر بن الحسين الفارسي (القرن الخامس).

 

ذكرته هنا لأنه مما فات فؤاد سزكين ذكره في الكتب الدائرة حول كتاب أبي عبيد. ومنه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وأصلها كتب سنة 513هـ.

 

مجمع الغرائب ومنبع الفوائد لأبي عبدالله محمد بن محمد بن علي الكاشغري (705هـ). وقد حقق سنة 1409هـ في رسالة ماجستير في جامعة أم القرى([45]).

 

جمل الغرائب لبيان الحق النيسابوري (القرن السادس).

 

ولما كان هذا الكتاب الأخير قد انفرد ببعض المزايا رأيت أن أعرف به في هذه الندوة الكريمة، ولكن قبل أن أتحدث عنه يحسن أن نقف على سيرة مؤلفه.

 

الفصل الأول: سيرة بيان الحق ومؤلفاته

 

من الطريف أن ثلاثة كتب من غرائب الحديث المخطوطة التي ذكرت في الفصل الماضي أصحابها من نيسابور، وأحدهم مشهور، وهـو الحافـظ أبو الحسن عبدالغافر بن إسماعيل الفارسي (451-529هـ)([46]) والثاني مجهول وهو عبدالرزاق بن أبي جعفر البيهقي([47]). والثالث صاحبنا بيان الحق الذي ترجم له ياقوت الحموي (626هـ) في معجم الأدباء ترجمة قصيرة لا تشفي الغليل، فإنه لم يشر فيها إلى زمنه فضلاً عن مولده ووفاته([48]).

 

وهذه الترجمة هي التي نقلها بنصها جلال الدين السيوطي (911هـ) في بغية الوعاة([49])، وعن السيوطي تلميذه شمس الدين الداودي (945هـ) في طبقات المفسرين([50]).

 

وقد أفاد الدكتور إحسان عباس في حاشية نشرته لمعجم الأدباء أن صلاح الدين الصفدي (764هـ) ترجم لبيان الحق في الوافي، وعدَّ له كتباً كثيرة، وأورد فاتحة كتابه إيجاز البيان.

 

لم أتمكن من الاطلاع على مخطوطة الوافي ولكن أظن أن الصفدي لم يأت بجديد فيما يتعلق بحياة بيان الحق، وإلا ذكره الدكتور إحسان عباس.

 

وإنني أورد هنا أولاً نص ترجمته من معجم الأدباء.

 

(1) ترجمته من معجم الأدباء

 

قال ياقوت: "محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري، الغزنوي، يلقب ببيان الحق.

 

كان عالماً بارعاً مفسراً لغوياً فقيهاً متفنناً فصيحاً.

 

له تصانيف ادعى فيها الإعجاز. منها كتاب خلق الإنسان، وجمل الغرائب في تفسير الحديث، وإيجاز البيان في معاني القرآن، وغير ذلك.

 

ومن شعره:

 

فلا تحقرَنْ خَلْقاً من النـاس عَلَّـه

   

 

 

   

 

وَِليُّ إلـهِ العـالمـين ولا تـدري

 

فذو القدر عند الله يخفى على الورى

   

 

 

   

 

كما خَفِيَتْ عن علمهم ليلةُ القدر"([51])

 

لا تشير هذه الترجمة إلى زمن المؤلف كما سبق، ومن ثم يعد ما أفاده إسماعيل باشا البغدادي من أنه أكمل كتابه إيجاز البيان عن معاني القرآن سنة 553هـ بالخجند([52])، أهم إضافة إلى ما جاء في كتاب ياقوت، فقد تعين بذلك زمن المؤلف.

 

ولعل البغدادي وقف على نسخة لكتاب إيجاز البيان ذكر في آخرها زمن تأليفه، فنقله منها. وليس بوسعنا توثيق هذا النقل؛ لأن النسخ الخمس التي عرفناها من كتاب إيجاز البيان خلت من ذكره. ونسخ جمل الغرائب، وباهر البرهان، وخلق الإنسان أيضاً لا تفيدنا في هذا الشأن، غير أن بعض الأخبار المذكورة في هذه الكتب تدل على أن بيان الحق عاش في القرن السادس الهجري.

 

(2) زيادات متفرقة

 

وهناك إشارات قليلة مفرقة تضيف بعض الملامح إلى سيرته الواردة في كتاب ياقوت نذكرها فيما يلي.

 

أ- وردت كنية المؤلف في أول إيجاز البيان: "أبو القاسم"، و"قاسم" أحد ابنيه اللذين ذكرهما المؤلف في مقدمة جمل الغرائب.

 

ب- اللقب الذي اشتهر به المؤلف "بيان الحق"، ذكره ياقوت وورد في أوائل كتبه. ولقبه حاجي خليفة بـ"نجم الدين" في رسم إيجاز البيان، والتذكرة والتبصرة([53])، وبـ "شهاب الدين" في رسم جمل الغرائب([54]).

 

ج- نسبة "النيسابورى" أجمعت عليها فواتح كتبه واقتصر عليها بيان الحق في مقدمة جمل الغرائب، أما "الغزنوي" فذكرها ياقوت تالية للنيسابوري، وذلك يدل على أن أصل بيان الحق من نيسابور، ولد ونشأ فيها، ثم ارتحل إلى "غزنة" وأقام فيها، ومما يؤيد نسبة "الغزنوي" أن بيان الحق حينما ذكر الدولة الغزنوية قال: "وقد نظم ذلك بعض كتاب هذه الدولة في الأمير الماضي رحمه الله…". ثم نقل بيتين لأبي الفتح البستي قيل إنهما في السلطان محمود الغزنوي (421هـ)([55]).

 

أما نسبة "القزويني" التي تفرد بها إسماعيل باشا البغدادي وذكرها مع النيسابوري، فأخشى أن يكون تحريفاً لنسبة "الغزنوي" والله أعلم.

 

د- جاء في خطبة باهر البرهان: "قال القاضي الإمام العالم بيان الحق خاتم المفسرين…" فعلم من ذلك أن بيان الحق كان قاضياً، ووصفه بذلك صاحب كشف الظنون أيضاً([56]) ولكن أين تقلد القضاء ومتى؟ لعل ذلك كان في الدولة الغزنوية.

 

وفي خطبة إيجاز البيان وصف بـ"فخر الخطباء"، وهذا الوصف أيضاً لم يرد في كتاب ياقوت.

 

هـ- ذكر بيان الحق في مقدمة كتابه جمل الغرائب ابنين له محمداً وقاسماً. وقد عثرت محققة باهر البرهان على ذكر أولهما في روضات الجنات للخوانساري (3: 104)([57]).

 

و- وقد ذكرت الباحثة المذكورة في ترجمة بيان الحق أنه تولى التدريس في المدرسة الحلاوية ثم في المدرسة المعينية بدمشق([58])، وفي ذلك نظر، ويحتاج الكلام عليه إلى تفصيل لا يحتمله هذا البحث.

 

(3) مذهبه في العقيدة والفقه

 

يسلك بيان الحق في تأويل الصفات مسلك الأشاعرة والماتريدية. وقد ذكر في تفسير سورة الفاتحة قاعدة في ذلك، فقال: "وهاهنا إشكال آخر معنوي في كيفية غضب الله، فينبغي أن تعلم أن الغضب من الله يخالف غضبنا، فإنه منا شهوة الانتقام عند غليان دم القلب. ومن الله إرادة المضار بمن عصاه. وها هنا أصل تعرف به عامة الصفات المشكلة المعاني، وهو ألا يذهب فيها إلى التوهم اللفظي بحسب المبدأ، ولكنه بحسب التمام، فأوصاف الله تعالى يحتمل على الأغراض الانتهائية لا على الأعراض الابتدائية مثاله الرأفة والرحمة… وكذلك المحبة… والغضب يعرض لنا فينتقض الطبع على جهة الحمية ويتغير الوجه وتحمر العين، وربما يرتعد البدن، ثم يدعو إلى جنس من العقوبة يضاد الرضا. فيوصف الله تعالى به على هذا المعنى الأخير الذي هو الغاية والمآل. وعلى هذا يجري القول في الصفات، والله أعلم".

 

وللفخر الرازي (606هـ) في تفسيره كلام شبيه بكلام بيان الحق وقرر أن هذا هو القانون الكلي في هذا الباب([59]). وقد رد على هذا الكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه فقال:

 

"وأما قول القائل (الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام) فليس بصحيح في حقنا، بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده، فلا يكون هناك انتقام أصلاً. وأيضاً فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب… وأيضاً فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا، كما أن حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا، فليس هو مماثلاً لنا: لا لذاتنا، ولا لأرواحنا، وصفاته كذاته"([60]).

 

وفي بعض المسائل يساير بيان الحق المعتزلة أيضاً، ومنها نفي نسبة الإغفال والإضلال ونحوه إلى الله تعالى([61]).

 

أما في الفقه فكان بيان الحق حنفياً، ويستعمل في مؤلفاته لفظ "عندنا"، و"عند أصحابنا" و"مذهبنا" للأحناف، ويحتج لمذهبه، ويشير أحياناً إلى المذهب الشافعي أيضاً([62]).

 

(4) مؤلفاته

 

لم يذكر ياقوت في ترجمة بيان الحق من مؤلفاته إلا ثلاثة كتب، ثم قال: "وغير ذلك". ولولا أن بيان الحق أشار في مقدمات كتبه التي وصلت إلينا إلى مؤلفات أخرى له لم يبلغ عددها عند البغدادي تسعة كتب فإنه اعتمد في قائمته على كشف الظنون ومقدمة إيجاز البيان، على تفرده بعنوان جديد لا نعرف مصدره، ووهمه في أحدها، وسهوه عن ذكر كتاب خلق الإنسان مع كونه مذكوراً في كشف الظنون. وقد أشار بيان الحق في أثناء كتبه أيضاً إلى بعض مؤلفاته. فعني كل من حقق كتاباً من كتبه بإحصاء مؤلفاته في ضوء المراجع والكتاب الذي اعتنى به. وقد بَذَّتهم جميعاً سعاد بابقي محققة كتاب باهر البرهان، إذ تصفحت كتب بيان الحق المخطوطة أيضاً واستخرجت منها أسماء مؤلفاته فبلغ عددها في الفهرس الذي أعدته نحو (20 )كتاباً([63]).

 

وقد صدر من هذه الكتب كتابان وهما:

 

إيجاز البيان عن معاني القرآن. وقد طبع مرتين: مرة بتحقيق الدكتور حنيف بن حسن القاسمي سنة 1995م بدار الغرب الإسلامي في بيروت. ومرة أخرى بتحقيق الدكتور علي بن سليمان العبيد سنة 1418ﻫ -1997م ونشرته مكتبة التوبة بالرياض.

 

باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن. وهو أيضاً طبع طبعتين: أولاهما بعنوان "وضح البرهان في مشكلات القرآن" تبعاً لما جاء في نسخة تشستربيتي الفريدة، وقد صدرت بتحقيق صفوان عدنان داودي عن دار القلم بدمشق سنة 1410ﻫ. وعن النسخة المذكورة نفسها حققته سعاد بابقي في رسالة ماجستير تحقيقاً علمياً، ورجحت أن كلمة "وضح" في عنوان المخطوط من عمل النساخ، وأنه كتاب "باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن". و بهذا العنوان نشرته جامعة أم القرى سنة 1418هـ في أربعة مجلدات.

 

وثلاثة كتب للنيسابوري لا تزال مخطوطة وهي:

 

جملة الغرائب في الحساب. وموضوعه الفرائض، ونسخة منه في 45 ورقة محفوظة في معهد البيروني بطشقند برقم 2022 وتاريخ نسخها سنة 647هـ([64])، ولم يذكر هذا الكتاب في المراجع.

 

خلق الإنسان. وقد وصل إلينا نصفه الثاني في نسخة بدار الكتب المصرية برقم 2445 أدب، وصورة منها في مكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى([65]).

 

جمل الغرائب. وهو موضوع هذا البحث وسيأتي الكلام عليه في الفصل التالي.

 

الفصل الثاني: كتاب جمل الغرائب

 

كان بيان الحق النيسابوري عالماً متفنناً، كما وصفه ياقوت، ويشهد بذلك تنوع مؤلفاته. فقد ألف في التفسير عدة كتب، وكذلك في الفقه وأصوله، وفي الرد على الباطنية، وفي الأدب والبلاغة. وجمع في كتابه خلق الإنسان بين علم اللغة وعلم الأخلاق.

 

أما هذا الكتاب "جمل الغرائب" فوضعه في تفسير غريب الحديث. وقد ذكره ياقوت (626هـ) في ترجمته، كما ذكره الصغاني (650هـ) من موارده في كتابيه التكملة([66]) والعباب الزاخر([67]).

 

وقد عرفنا في ا لتمهيد أن عدداً كبيراً من العلماء سبقوا بيان الحق إلى التأليف في فن غريب الحديث، ومنهم أصحاب الكتب الأمهات: أبو عبيد، وابن قتيبة، والخطابي، ثم إبراهيم الحربي، وأبو عبيد صاحب الغريبين. فما الغاية التي قصد إليها بيان الحق بتأليف الكتاب؟ وهل سلك في ترتيبه أو تفسير الغريب فيه مسلكاً جديداً يستحق منا العناية بكتابه؟

 

(1) غاية التأليف

 

أشار بيان الحق في مقدمة جمل الغرائب إلى مذهبه في تأليف كتبه وغايته منها بصورة عامة، فقال بعد خطبة الكتاب:

 

"… فإن لكل علم رجالاً، بأيديهم ترتفع أعلامه، وعلى ألسنتهم تتفتق أكمامه. ولكل عالم في علمه طريقاً قد استولى على مناره وتجديد آثاره. ومؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري في ذلك من بين من هو وقفٌ على تحصيله، وحبيس في سبيله، عاكف الفكر من لدن شب إلى أن شاب على إرهاف قدوده وإخطاف خصوره، دائم الجد في تمييز لبابه من قشوره. وقد وفقه الله تبارك وتعالى منه في تفسير كتابه لغير واحد حتى استوى من مطولاته التي صنفها على كتاب "إيجاز البيان في معاني القرآن" أوجز كتاب لفظاً، وأطوله وأبسطه معنى، يشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بياض. وكذلك أرشده سبحانه وتعالى في متفق الفقه من كتاب "التذكرة والتبصرة" إلى ألف نكتة حررها وأوجزها … كما هداه جل وعز بفضله في مختلف الفقه من كتاب "ملتقى الطرق" إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها… ولعل الكتابين غير زائدين على مائة ورقة بين بين. وهلم جرا في سائر الفنون إلى كل مجموع وجيز غاية الإيجاز، بمثله يعرف عمل العقل في صناعته التي هي الاختصار، وحرفته التي هي الاختيار. ولعل في تسهيل طريق المنبعثين إلى تحصيل ذلك من ثواب الله عز وجل ما يهب لفاعله حياة يحبر فيها، ويجعلها فيما يحب ويرضى وأن يرزقه مماتاً على صدق طاعته وسنة رسوله e…".

 

فأوضح بيان الحق أنه –بالإضافة إلى كتبه الكبيرة- ألف في كل فن كتباً بناها على الاختيار والاختصار. وجمع في كل كتاب رؤوس مسائله وعيون أقوال العلماء فيها بعد تحريرها وتلخيصها في عبارة موجزة غاية الإيجاز، ليكون مع غزارة فوائده خفيف المحمل قريب المأخذ، فجمع في كتاب إيجاز البيان أكثر من عشرة آلاف فائدة في مقدار ست طاقات بياض، وجمع في كتاب التذكرة والتبصرة ألف نكتة في متفق الفقه يطرد أكثر مسائل الفقه عليها، ثم ألف في مختلف الفقه كتاباً آخر، وكلاهما لا يزيد على مائة ورقة.

 

وقصده بذلك نفع طلبة العلم بتقريب أصوله إليهم، وتسهيل طريق التحصيل عليهم، راجياً بذلك ثواب الله عز وجل.

 

وأراد بيان الحق أن يؤلف كتاباً في علم الحديث أيضاً ولكن لم يكن -مع ثنائه على المحدثين في كتابه خلق الإنسان([68])، وكثرة استشهاده بالأحاديث في كتابيه إيجاز البيان، وباهر البرهان- من أصحاب الحديث المختصين بصناعته، وإنما اشتهر بعلوم التفسير والفقه والأدب واللغة، فرأى أن أقرب فنون الحديث إلى اهتماماته فن غريب الحديث، فجمع فيه كتاب جمل الغرائب، وذهب فيه مذهبه في مؤلفاته الأخرى التي ذكرت من قبل من الاختيار والاختصار. فقال في مقدمة الكتاب:

 

"وإذ كان علم الحديث بعد علم التفسير من بين العلوم أوضح مناراً وأزخر بحاراً، وأطيب منالاً وأرحب مجالاً، وأعم فقها وحكمة، وأتم خيراً وبركة، وأدنى من السداد، وأهدى إلى الرشاد، وكان تباعد أطرافه ربما يقعد بوارده في حلباته، وتفاوت ما بين أشواطه يبعد بفرسانه عن غاياته، سألت الله عز وجل التوفيق في جمع شتاته وشرح مشكلاته".

 

ويدخل في "المشكلات" مع الألفاظ والتراكيب الغريبة بعض ما يسمى "مشكل الحديث" أو "مختلف الحديث". وقد صنف العلماء في هذا الفن كتباً مستقلة، إلا أن كتب غريب الحديث أيضاً كانت تشتمل من القديم على تفسير بعض الأحاديث المشكلة.

 

وقد حدد بيان الحق في كلامه هذا الغرض من تأليف كتاب جمل الغرائب، وهو: "جمع شتات علم الحديث وشرح مشكلاته" ولتحقيق هذين الأمرين عمد أولاً إلى مصادر أصيلة في فن غريب الحديث وبعض شروحه وانتقى منها الأحاديث المشكلة في ألفاظها أو معانيها، واختصر ما جاء فيها من شرحها وبيانها، ثم رتب الأحاديث على نحو جديد يباين معظم المناهج التي اتبعها أصحاب الغريب. فما المصارد التي اعتمد عليها بيان الحق؟

 

(2) مصادر الكتاب

 

من مزايا هذا الكتاب أن بيان الحق نص في مقدمته على المصادر التي استقى منها الأحاديث وتفسيرها. فقال: "… فعرجت على غرائبه المجموعة من جهة الأصمعي، وأبي عبيدة وأبي عبيد، وأبي سعيد الضرير، وابن قتيبة، ومحمد بن المستنير، والنضر بن شميل، وشمر بن حمدويه، وإبراهيم الحربي، وابن الأنباري، وأبي سليمان الخطابي، وأبي عبيد الهروي، وأبي بكر الحنبلي فيما وجدت من كتابه "الأغفال" رحمة الله عليهم أجمعين…".

 

هذا النص قد رفع من شأن كتاب جمل الغرائب، فإنه فاق من هذه الجهة كتاب الفائق للزمخشري (538هـ) الذي لم يصرح في مقدمته بالمصادر التي اعتمد عليها. ثم قد بلغ بيان الحق بهذه الخصلة غايتها حينما جعل لهذه الكتب رموزاً أثبتها في بداية الأحاديث التي نقلها منها، نحو "ع" لكتاب أبي عبيد، و"ق" لكتاب ابن قتيبة، و"س" لأبي سليمان الخطابي، و"ص" للأصمعي، و"بين" لكتاب الغريبين.

 

وهو نص تاريخي نادر يعرف قدره المهتمون بتاريخ حياة الكتب في الحضارة الإسلامية، فإنه يفيدنا بأن كتب النضر بن شميل وقطرب وأبي عبيدة والأصمعي وأبي سعيد الضرير وابن الأنباري وشمر بن حمدويه كانت متداولة في القرن السادس الهجري. والجدير بالذكر أن الحسن بن محمد الصغاني الذي توفي سنة 650هـ قبل سقوط بغداد في أيدي التتر، ألف كتابه العباب الزاخر في آخر حياته وذكر أن مصادره فيه تربي على ألف مصدر، وأول ما سماه منها كتب غرائب الحديث، وهي تسعة كتب ليس فيها من الكتب المذكورة إلا كتاب أبي عبيدة. وقد يقال إن الصغاني لم يستقص في ذكر غرائب الحديث، وإنما ذكر ما ذكر على وجه التمثيل. ولكن ألم يكن ذكر تلك الكتب الأصول – لو كانت بين يديه- أولى من ذكر مجموع الغرائب للسمعاني وكتابنا جمل الغرائب هذا؟

 

والمصادر التي سماها المؤلف في النص المنقول آنفاً يبدو من أول وهلة أن عددها 13 مصدراً، ولكنها في الواقع 15 كتاباً، لم يصل إلينا منها ثمانية كتب، ووُجدت من التاسع المجلدة الخامسة فحسب.

 

ومن هذه المصادر أربعة كتب لعلماء اللغة الأوائل: وهم النضر بن شميل (203هـ) وقطرب (206هـ) وأبو عبيدة (210هـ) والأصمعي (217هـ) وقـد سبق خلافهم في أول من ألـف في غريب الحديث أنه أبو عبيدة أو النضر بن شميل. وأيا كان الصواب فإن كتابيهما جميعاً كانا من موارد بيان الحق.

 

وذكر ابن الصلاح (643هـ) أن كتابيهما صغيران([69])، وقال ابن الأثير (606هـ) إن كتاب النضر أكبر من كتاب أبي عبيدة وشرح فيه وبسط على صغر حجمه ولطفه([70]). أما كتاب الأصمعي فقال فيه الخطابي (388هـ): "وكتاب ينسب إلى الأصمعي يقع في أوراق معدودة"([71]). وينبئ كلامه بأنه اطلع على الكتاب المذكور، ولكن ذكر النديم أنه رأى نسخة منه بخط السكري في نحو مائتي ورقة([72]). أما كتاب قطرب فلم أر من ذكر حجمه، ثم يفهم من كلام ابن درستويه أن أبا عبيد جمع في كتابه عامة ما في كتب أبي عبيدة وغيره، وذكر منهم قطرباً أيضاً، ولكن لم أجد في كتاب أبي عبيد أي نقل عن قطرب.

 

ويلحق بالكتب المذكورة كتاب شمر بن حمدويه الهروي (255هـ)، وكتاب ابن الأنباري (304هـ)، أما كتاب شمر فقال ياقوت إنه "كبير جداً"([73]) وقال السخاوي: "وكتابه يقال إنه قدر كتاب أبي عبيد مراراً"([74]). ولما ذكر الخطابي في مقدمة غريبه كتب أبي عبيدة والأصمعي وقطرب والنضر والحربي وغيرهم وانتقدها بقوله: "وفي بعض هذه الكتب خلل من جهة التفسير، وفي بعضها أحاديث نكرة لا تدخل في شرط ما أنشئت له هذه الكتب"، قال في كتاب شمر: "وكتاب شمر أشفاها وأوفاها"([75]).

 

أما كتاب ابن الأنباري فأثنى عليه الخطابي وقال: "ولابن الأنباري من وراء هذا مذهب حسن في تخريج الحديث وتفسيره. وقد تكلم على أحاديث معدودة وقع إلي بعضها، وعامتها مفسرة قبله إلا أنه قد زاد عليها وأفاد، وله استدراكات على ابن قتيبة في مواضع من الحديث"([76]). وقول الخطابي "أحاديث معدودة" يدل على أنه لم يقف على كتابه الكبير في غريب الحديث الذي يقال إنه اشتمل على خمسة وأربعين ألف ورقة([77]).

 

ومن مصادر جمل الغرائب: غريب الحديث لإبراهيم الحربي (285هـ) وقد سبق قول ابن الأثير فيه أنه "بسبب طوله ترك وهجر، وإن كان كثير الفوائد، جم المنافع" ولم يصلنا منه إلا المجلدة الخامسة، وهي مطبوعة.

 

ومن مصادر جمل الغرائب الكتب الثلاثة الأمهات: كتب أبي عبيد وابن قتيبة والخطابي. أما أبو سعيد أحمد بن خالد الضرير، فليس له كتاب مستقل في غريب الحديث، وإنما ألف كتاباً في الرد على أبي عبيد، قال أبو علي الحسين بن أحمد السلامي البيهقي (300هـ) في كتابه نتف الطرف: "خرَّج أبو سعيد على أبي عبيد من غريب الحديث جملة مما غلط فيه، وأورد في تفسيره فوائد كثيرة"([78]). وكان أبو سعيد من شيوخ ابن قتيبة، وقد استقدمه عبدالله بن طاهر (230هـ) من بغداد إلى نيسابور.

 

ومن مصادره كذلك: كتاب الغريبين للهروي (401هـ) وهو مشهور مطبوع.

 

والكتاب الأخير الذي ذكره بيان الحق هو كتاب الأغفال لأبي بكر الحنبلي. ولفظه: "فيما وجدت من كتابه الأغفال" يشير إلى أنه لم يقف على الكتاب كاملاً. ولم أجد ذكراً لهذا الكتاب ولا لمؤلفه في المراجع التي بين يدي إلا كشف الظنون، ومصدره أيضاً -فيما أرى- كتاب جمل الغرائب هذا. ثم لا تجد في كشف الظنون إلا عنوان الكتاب واسم مؤلفه، أما النصوص التي نقلها بيان الحق منه فيظل كتاب جمل الغرائب هو المصدر الوحيد لها إلى أن يعثر على الكتاب.

 

وأظن ظناً أن مؤلف كتاب الأغفال أبو بكر بن عبدالله بن إبراهيم الحنبلي الذي ذكر أبو سعد السمعاني (562هـ) في كتاب مرو أنه رثى الخطابي (388هـ) في بست بشعره([79]). فإن صدق ظني، فإنه من رجال القرن الرابع، ولعله توفي في القرن الخامس الهجري. والظاهر أنه قصد في كتابه الأغفال إلى الاستدراك على كتاب الخطابي ليكون بذلك حلقة رابعة في هذه السلسلة.

 

هذه الكتب الثلاثة عشر من المصنفات في غريب الحديث عموماً. وضم إليها بيان الحق كتابين آخرين للخطابي. وهما أعلام الحديث في شرح الجامع الصحيح للبخاري، ومعالم السنن في شرح سنن أبي داود. واختيار هذين الكتابين دليل على حسن نظر النيسابوري ورجاحة عقله، فإنه لم يقصر كتابه على السنن بل أراد أن يكون جامعاً لشرح ما يحتاج إليه من غريب الحديث في التوحيد والنبوة والمعاد والسنن والأحكام والحكم والآداب والمحاسن والمساوئ والأمثال والمواعظ وما إلى ذلك. وقد اعتنى الخطابي في تفسير الكتابين بإيضاح المشكل من متون ألفاظهما وشرح المستغلق من معانيهما بالإضافة إلى بيان وجوه الأحكام وغير ذلك. فتهيأت لبيان الحق –بضم هذين الكتابين الجليلين إلى كتب الغرائب- مادة متنوعة غزيرة، ينتقي منها ما شاء من تفسير غريب الحديث ومشكله.

 

(3) ترتيب الكتاب

 

لم يتبع بيان الحق في ترتيب كتابه منهج أبي عبيد وصاحبيه، فيوردَ أحاديث رسول الله e ثم يتبعها أحاديث الصحابة فالتابعين كلٍّ على حدة، ولا اقتفى أثر الهروي صاحب الغريبين، فيرتبَ الأحاديثَ على المواد اللغوية، بل صنف كتابه على الموضوعات، فقال في مقدمته:

 

"وخرجته على أربعة عشر كتاباً يفترّ كل كتاب عن خطبة غراء تلمع بفوائد ذلك الكتاب، كما يتقدم الصباح شروق الشمس، والرياح طلوع السحاب".

 

وهي:

 

كتاب التوحيد والإيمان وما جاء في القرآن.

 

كتاب النبوات وذكر بعض المعجزات.

 

كتاب البدء والحياة والحال والمآل.

 

كتاب الموت والبعث والثواب والعقاب.

 

كتاب العبادات.

 

كتاب أحكام المعاملات.

 

كتاب زواجر الجنايات.

 

كتاب الحرب والسلطان.

 

كتاب المواعظ والوصايا.

 

كتاب الحكم والآداب.

 

كتاب الألفاظ والأمثال.

 

كتاب المحاسن والمحامد.

 

كتاب المساوئ والمناهي.

 

كتاب النساء.

 

لم يقسم بيان الحق هذه الكتب إلى أبواب، ولكنه عقد أحياناً بعض العناوين في داخلها وجمع تحته أحاديث في موضوع واحد، ففي كتاب النبوات نجد العناوين الآتية:

 

أخبار في مقدمة النبوة.

 

ومن الأحاديث في خلقه r.

 

ومن الأحاديث في خلقه وسمته وذكر مجالسه وأحواله e.

 

ومن الأحاديث التي فيها الجواب عن مطاعن ممن يلحد في النبوة لجهله ويدعي التناقض لخبث اعتقاده.

 

أحاديث فيما أخبر به عما يكون بعده e.

 

وكذلك في كتاب العبادات بعد تفسير أحاديث الطهارة والصلاة عقد العناوين الآتية:

 

ومن غرائب الأحاديث في الزكاة.

 

غرائب أحاديث في الصوم.

 

أحاديث في الحج.

 

وقد سبق في التمهيد أن أبـا عدنان عبدالرحمن بن عبدالأعلـى السلمي -وهو من أصحاب أبي زيد وأبي عبيدة- صنف كتابه في غريب الحديث على أبواب السنن، وقد وقف عليه ابن درستويه (347هـ) فوصفه بقوله: "ذكر فيه الأسانيد، وصنفه على أبواب السنن والفقه، إلا أنه ليس بالكبير"([80]). وقد رأى أبو الخير سلامة بن غياض الشامي الكفرطابي النحوي (534هـ) نسخة من كتاب أبي عدنان بالري. فكان كتاب أبي عدنان إذن في زمن بيان الحق، ولا ندري أوقف عليه أم لا؟ غير أنه لم يكن بين يديه حينما ألف كتابه جمل الغرائب. ولا نعرف من أصحاب الغريب من اتبع أبا عدنان في ترتيب غريب الحديث على الموضوعات غير بيان الحق. ولكن بينهما اختلافاً ظاهراً من عدة وجوه، منها:

 

أن بيان الحق لا يذكر الأسانيد، ومنها أن كتابه –في عناوين أبوابه- يشبه الجوامع والمسانيد من كتب الحديث من جهة، ومن جهة أخرى يشبه كتب الأدب والأخبار، وأما السنن فليست إلا جزءاً من كتابه. ثم كتاب أبي عدنان لم يكن كبيراً، أما كتاب بيان الحق فهو كتاب حافل كبير.

 

وقد افتتح بيان الحق كل باب بخطبة تشير إلى فوائده، أنشأها بأسلوبه الأدبي. وأورد هنا خطبة قصيرة منها لتكون نموذجاً لسائرها. وهي التي استهل بها كتاب زواجر الجنايات:

 

"الحمد لله المحمود في أوصافه وأسمائه، المعبود في أرضه وسمائه. دل بانتهاء كل شيء على ابتدائه، وخبّر بتغير كل أمر عن انقضائه. يدعو رجاؤه إلى الحسنات، ويكف خوفه عن السيئات. ويؤدي مراقبته إلى العفو والنجاة، وتبعث ألطافه على البر والتقاة. وتفيء فروضه إلى أوفى الفلاح، وتفيض حدوده بأوفر الصلاح. له الحكم المبين، والكيد المتين. يهلك المعتدين، وينشئ بعدهم قرناً آخرين. يخشى سطوه على المسيئين، ويرجى عفوه للمنيبين. لايني لطفه في اصطفاء الأخيار، ولا ينثني بأسه عن إرداء الفجار. يحاسب في اليسير والكثير، ويجازي بالكثير على اليسير. تعنو لعزة وجهه الوجوه، ولا يحمد غيره على المكروه. لا يعذب قبل التحذير وتقدمة النذير، ولا يعزب عن علمه عظيم ولا حقير، ولا يخلو عن فضله صغير ولا كبير. لا يفارق حمده بالنا وفكرنا، ولا يزايل شكره مقالنا وذكرنا. شاهدين بأنه بادئ الأديان وخاتمها، وفارض الأحكام وحاتمها. ورادع أهل الزيغ بعقوباته عن جهالتهم، ووازع أولي الضلال بحدوده عن ضلالتهم، وجاعل محمد سراج هذا العلم، وسيد ولد آدم، وباعثه بالقول الصادق، والوعظ الصادع، والهدي الساطع، والسيف القاطع. فجاهد في ذاته حتى لان الأبي، ودان العصي، وهان القوي، واستكان الغوي، فصلى الله عليه وعلى آله الذين ما غيروا ولا بدلوا، الذين قضوا بالحق وبه عدلوا".

 

(4) منهجه في تفسير الحديث

 

لما ذكر بيان الحق في مقدمته موارده من غرائب الأصمعي وغيره قال: "وانتخبت من فوائدهم، واستعذبت من مواردهم، ما حقه أن يكتب بالتبر على الأحداق، لا بالحبر على الأوراق. وتصرفت في التأويلات بين الإيجاز والإعجاز".

 

فدل من منهجه في كتابه على أمرين: اختيار الفوائد من الموارد المذكورة. ثم اختصارها بغاية الإيجاز. ولعل قوله "بين الإيجاز والإعجاز" هو الذي قرأه ياقوت فقال في ترجمته: "وقد ادعى الإعجاز في بعض تصانيفه"([81]). وهو يقصد كتاب جمل الغرائب هذا، فإنه لم يذكر من مؤلفاته إلا كتاب إيجاز البيان وخلق الإنسان وهذا الكتاب.

 

وأرى أن في قول النيسابوري "بين الإيجاز والإعجاز" تلميحاً إلى كتاب لبلديه الشهير أبي منصور الثعالبي النيسابوري(429هـ) سماه " الإعجاز والإيجاز"ويسمى أيضاً "إعجاز الإيجاز"، ولم يخرج كلامه مخرج الادعاء بأن كتابه معجز، وإنما غرضه أنه اختصر الكلام بأقصى ما يستطاع، وهذا أيضاً غير مسلم له، ولكن بعض المصنفين –غفر الله لهم- جروا على إطراء كتبهم.

 

على كل حال، فإن طريقته التي سار عليها في هذا الكتاب: أنه ينص أولاً على المصدر الذي ينقل منه مشيراً إليه برمزه، ثم يثبت الحديث من غير سنده، ويتبعه تفسير ما جاء فيه من الألفاظ الغريبة ملخصاً إياه من المصدر نفسه. وإليكم أنموذجاً لهذا التلخيص والاختصار:

 

نقل أبو عبيد حديث حكيم بن حزام أنه قال: "بايعت النبي e ألا أخرّ إلا قائماً"، ثم ذكر سنده، ثم قال: "وقد أكثر الناس في معنى هذا الحديث، وماله عندي وجه إلا أنه أراد بقوله (لا أخرّ) أي لا أموت؛ لأنه إذا مات فقد خرّ وسقط. وقوله (إلا قائماً) يعني: إلا ثابتاً على الإسلام. وكل من ثبت على شيء وتمسك به، فهو قائم عليه. قال الله تبارك وتعالى:* | ~}  ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § ¨ © ª « ) [آل عمران: 113]. وإنما هذا من المواظبة على الدين والقيام به. وقال الله عز وجـل:*  m n o p q r s t u v w x y z { | } ~  ¡ ¢ )

[آل عمران: 75]."

 

ثم نقل أبو عبيد بسنده عن مجاهد تفسير "قائماً" في قوله تعالى: * } ~  ¡ ¢ ) قال: مواكظاً أي مداوماً. ثم قال: ومنه قيل في الكلام للخليفة: هو القائم بالأمر، وكذلك: فلان قائم بكذا وكذا، إذا كان حافظاً له متمسكاً به. وفي بعض الحديث أنه لما قال للنبي e: أبايعك ألا أخر إلا قائماً، فقال: أما من قبلنا فلن تخرّ إلا قائما. أي لسنا ندعوك ولا نبايعك إلا قائماً، أي على الحق"([82]).

 

هذا الحديث وشرحه المستفيض اختصره بيان الحق على هذا الوجه:

 

"ع: حكيم بن حزام: "بايعت رسول الله e ألا أخرّ إلا قائماً" أي لا أموت إلا ثابتاً على الإسلام، وهو قوله تبارك وتعالى:* | ~}  ¡ ¢ £ ¤ ¥ ¦ § ) [آل عمران: 113]"([83]).

 

فنرى أن النيسابوري أثبت أولاً "ع" وهو رمزه لكتاب أبي عبيد، ثم ذكر اسم الصحابي صاحب الحديث، ثم أورد الحديث بعدما حذف سنده. ثم اختصر تفسير الحديث، واكتفى بآية واحدة من الآيتين اللتين استشهد بهما أبو عبيد وحذف سائر الكلام.

 

وإذا كان تفسير أبي عبيد مما أنكره أبو سعيد الضرير أورد بيان الحق التفسير والتعقيب كليهما. ومن أمثلة ذلك أن أبا عبيد فسر ما جاء في نعت النبي e أنه كان شبح الذراعين، فقال: "يعني عبلهما، عريضهما"([84]).

 

نقل بيان الحق تفسير أبي عبيد وأضاف: "وأنكره أبو سعيد وقال: العبولة في أذرع النساء، وصفة الرجال أن يكون شبح الذراعين معرقاً لحمهما، وإنما هو عصب وعظام في طول كأيدي السباع"([85]).

 

وكذلك ينقل نقد ابن قتيبة لتفسير أبي عبيد، وردّ ابن الأنباري –إن كان له رد- على ابن قتيبة أيضاً. كما فعل في تفسير حديث: ((ما سقي بعلاً أو كان عثرياً ففيه العشر))([86]).

 

ولكن لا يقتصر المؤلف دائماً على تلخيص ما جاء في موارده بل كثيراً ما يزيد في الشرح. ومن ذلك ما نقله من كتاب أعلام الحديث للخطابي في تفسير حديث زيد بن خالد الجهني أنه قال: ((صلى لنا رسول الله e صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)).

 

قال الخطابي في تفسير الحديث: "قوله: "على أثر سماء" يريد على أثر مطر، وسمي المطر سماء لنـزوله من السماء على مذهبهم في استعارة اسم الشيء لغيره إذا كان مجاوراً له أو بسبب منه، و"النوء": الكوكب، ولذلك سموا منازل القمر "الأنواء"، وإنما سمي النجم نوءاً، لأنه ينوء طالعاً عند مغيب رقيبه من ناحية المغرب، وكان من عادتهم في الجاهلية أن يقولوا: مطرنا بنوء كذا، فيضيفون النعمة في ذلك إلى غير الله عز وجل وينسون الشكر له على ذلك، وهو المنعم عليهم بالغيث والسقيا، فزجرهم عن هذا القول، فسماه كفراً، إذ كان ذلك يفضي بصاحبه إلى الكفر إذا اعتقد أن الفعل للكوكب، وهو فعل الله عز وجل لا شريك له"([87]).

 

أثبت النيسابوري الحديث من قوله "صلى الصبح" إلى آخره، إلا أن لفظه: "فقال: ألم تسمعوا ما قال ربكم قالوا: لا، قال: ما أنعمت على عبادي نعمة إلا أصبح بها كافر ومؤمن، فأما من قال..".

 

ثم اختصر شرح الخطابي هكذا: "سمى المطر سماء لنـزوله من السماء، والنجم نوءاً، لأنه ينوء طالعاً عند مغيب رقيبه من ناحية الغرب". وحذف ما قاله الخطابي: "وكان من عادتهم" إلى آخره. ثم أضاف:

 

"وقيل على عكس هذا، فإن النوء غيبوبة الكوكب في المغرب وطلوع رقيبه المسمى البارح في المشرق غدوة. وقال الخليل([88]): النوء اسم المطر الذي يكون مع سقوط النجم؛ لأن المطر ينهض مع سقوطه. وأصل النوء: النهوض، كما جاء في حديث آخر: "مالها، خطأ الله نوءها"، أي نهوضها إلى كل شيء تنهض له وتطلبه. وتأويل الحديث ما قاله الزجاج([89]): أن العرب كانت تزعم أن ذلك المطر الذي جاء عند سقوط النجم هو فعل النجم ولا يجعلونه سقياً من الله عز وجل عند سقوط النجم، فجاء هذا النوع من التغليظ، فأما من نسب ذلك إلى الله عز وجل وجعل سقوط الكوكب وقتاً كمواقيت الليل والنهار كان ذلك حسناً. واستدل على جواز هذا أن عمر t حين استسقى بعباس في المصلى نادى العباس: كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعاً بعد وقوعها، فوالله ما تمت السبع حتى غيث الناس"([90]).

 

ويصلح هذا المثال أيضاً لما جاء في هذا الكتاب من تفسير بعض الأحاديث المشكلة لما يتوهم فيها من التعارض والاختلاف. وقد جمع بيان الحق في كتاب النبوة أحاديث من هذا النوع مما يتصل بالنبي e بعنوان "ومن الأحاديث التي فيها الجواب عن مطاعن ممن يلحد في النبوة لجهله ويدعي التناقض لخبث اعتقاده".

 

وكان النيسابوري من حفاظ دواوين الشعر، وله عناية خاصة بديوان هذيل كما يظهر من كثرة استشهاده بشعرهم. وكثيراً ما يستشهد على المعاني، وتنهال الشواهد على لسانه، ولكن شرط الاختصار يكفه. فأنشد في موضع الأبيات الآتية على أن الثياب بمعنى الأخلاق:

 

قال أبو الأسود:

 

ألم تر أني والتكـرمُ عـادتي

   

 

 

   

 

وما المـرء إلا لازمٌ مـا تعـودا

 

أُطَهِّر أثوابي عن الغدر والخنا

   

 

 

   

 

وأنحو الذي قد كان أولى وأعودا

 

وقال شريك بن بشر الباهلي:

 

لقد رُزِئت بنو سهم بن عمرو

   

 

 

   

 

بلا نكـس ولا دنس الثياب

 

بأبيض يمـلأ الشِّيزى إذا مـا

   

 

 

   

 

رأيت الضر في وجه الكعاب

 

وقال آخر:

 

فلا بعدي يغيّر حـال ودي

   

 

 

   

 

عن العهد القديم ولا اقترابي

 

ولا عند الرخاء بطرت يوماً

   

 

 

   

 

ولا في فـاقة دنست ثيابي

 

ثم قال: "وأمثال هذا كثيرة، ولولا سبق الضمان بالاختصار لسالت على كل حديث شعاب من الشعر والمعاني"([91]).

 

سبق في ترجمة بيان الحق أنه كان حنفي المذهب، ولكنه تجنب ذكر مذاهب الفقهاء في هذا الكتاب. فلما فسر حديث المصراة قال في آخر كلامه: "وهذا تفسير غريب هذا الحديث، وأما تأويله على مذهبنا فقد استقصيناه في كتبنا الفقهية"([92]). وقد رأيته في بعض المواضع -من القسم الذي بين يدي من نص الكتاب- ذكر مذهب الأحناف. ومنها أنه نقل من غريب القتبي تفسير الحديث: ((من قتل في عِمِّيّا فهو خطأ)) أن يترامى القوم فيوجد بينهم قتيل لا يدرى من قتله، ويعمى أمره. ثم قال: "وديته عند أبي حنيفة رحمه الله على عاقلة القبيلة التي وجد معهم إذا لم يدع أولياء القتيل على غيرهم، وعند أبي يوسف رحمه الله على عاقلة الفريقين الذين اقتتلوا معاً"([93]).

 

(5) مآخذ على الكتاب

 

ظهرت لي من خلال تصفح الكتاب ثلاثة مآخذ، أحدها يرجع إلى مذهبه في العقيدة، والآخران إلى منهجه في التلخيص والتفسير.

 

أما الأول فهو أنه حينما يفسر أحاديث الصفات يؤولها على طريقة الأشاعرة والماتريدية. ومن ذلك ما نقله عن كتاب أعلام الحديث للخطابي في شرح قول النبي e "إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته"، قال الخطابي: قوله "لا تضامون" يروى على وجهين: أحدهما تضامون - مفتوحة التاء مشدودة الميم - وأصلها تتضامون فحذفت إحدى التاءين، أي لا يضام بعضكم بعضاً، كما يفعله الناس في طلب الشيء الخفي الذي لا يسهل دركه، فيتزاحمون عند ذلك ينظرون إلى جهته. فيضامّ بعضهم بعضاً، يريد أنكم ترون ربكم وكل واحد منكم وادع في مكانه لا ينازعه رؤيته أحد. والوجه الآخر: لا تضامون من الضيم، أي لا يضيم بعضكم بعضاً في رؤيته"([94]).

 

لخص بيان الحق كلام الخطابي هكذا: "لا تضامون في رؤيته أي لا يضام بعضكم بعضاً كما يفعله الناس في تبصر الشيء الخفي الذي لا يسهل دركه، فيتزاحمون عنده، فبين r أنكم ترون ربكم لا رؤية الأشخاص للأشخاص، ولا في جهة، ولا من جهة واحدة بل كل واحد منكم وادع في مكانه لا ينازعه في رؤيته أحد".

 

فنرى أن بيان الحق زاد في كلام الخطابي قوله: "لا رؤية الأشخاص للأشخاص، ولا في جهة، ولا من جهة واحدة بل…". ثم قال في آخر شرحه: "وقد تكون الرؤية بمعنى العلم، كقوله تعالى:* ; ) وكقول حطائط:

 

أريني جواداً مات هزلاً لعلني

   

 

 

   

 

أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مُخَلَّدا

 

وما أحق ما قال علي t: "إذا حدثتم عن رسول الله فظنوا به الذي هو أتقى، والذي هو أهيا، والذي هو أهدى" وحدث الدوري عن أبي عبيد: نحن نروي هذه الأحاديث ولا نُرَيِّغ لها المعاني"([95]).

 

هذا، وما ذكره من احتمال أن يكون الرؤية في الحديث المذكور بمعنى العلم، فلا وجه له، وهو باطل قطعاً، ويرده سياق الحديث نفسه. ولا يصح أيضاً قوله "ولا في جهة"، فإن ذلك يفضي إلى إنكار الرؤية، لأنه لا يتصور رؤية شيء لا يكون في جهة. ومذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة أن المؤمنين يرون ربهم في الدار الآخرة في عرصة القيامة وبعدما يدخلون الجنة. يرونه بالأبصار عياناً كما يرى القمر ليلة البدر صحواً([96]).

 

وكذلك لما نقل عن أبي عبيد حديث أبي رزين العقيلي "قال يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ فقال: كان في عماء تحته هواء وفوقه هواء" فسره بقوله: "العماء: السحاب الرقيق. فأراد: أين كان عرش ربنا فحذف المضاف. قـال الله تعالى:* = > )? [هود: 7]، والسحاب يقلّ الماء فكنى عنه بالماء". ثم نقل رواية "في عمى" مقصوراً وفسرها ثم قال: "وأبو عبيد رحمه الله لم يزد في الحديث على أنه لا يدري كيف ذلك العماء وما مبلغه، والله أعلم بذلك"([97]).

 

الذي في كتاب أبي عبيد أن العماء في كلام العرب: السحاب الأبيض، قاله الأصمعي وغيره وهو ممدود ثم أنشد بيتين وفسرهما، ثم قال: "وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عندهم ولا ندري كيف كان ذلك العماء..."([98]).

 

وما كان أحرى المؤلف بأن يقتفي أثر أبي عبيد فيقول بقوله([99]).

 

المأخذ الثاني وهو مما يتعلق بمنهجه أنه لا يميز بين ما يلخصه من مصدره وما يضيفه إليه. ولا شك أن مراجعة المصادر التي وصلت إلينا تعين على الفصل والتمييز، ولكن لا سبيل إلى ذلك في المصادر التي ضاعت، فإذا أراد أحد أن يجمع نصوص كتاب ضائع من موارد جمل الغرائب - ولو كانت مختصرة من الأصل - لم يتأت له ذلك. فلو فصل بيان الحق بين الأصل والزيادة بلفظ "قلت" مثلاً لازدادت قيمة الكتاب.

 

لاحظت في بعض المواضع أن بيان الحق لم يحسن تلخيص ما في مصدره، فأصابه شيء من الخلل. ومن ذلك ما جاء في غريب أبي عبيد في تفسير قول أبي بكر t: "طوبى لمن مات في النأنأة" قال أبو عبيد بعد ذكر سند الحديـث: "أما المحدثون فلا يهمـزونه. قال الأصمعـي: هي النأنـأة - مهموزةً - ومعناها: أول الإسلام، وإنما سمي بذلك، لأنه كان قبل أن يقوى الإسلام ويكثر أهله وناصره، فهو عند الناس ضعيف. وأصل النأنأة: الضعف، ومنه قيل: رجل نأنأ، إذا كان ضعيفاً. قال امرؤ القيس يمدح رجلاً:

 

لعمرك ما سعد بخلة آثم

   

 

 

   

 

ولا نأنأٍ عند الحفاظ ولا حصر

 

قال أبو عبيد: "ومن ذلك قول علي t لسليمان بن صرد. وكان تخلف يوم الجمل ثم أتاه بعده، فقال له علي: تنأنأت وتربعت وتراخيت فكيف رأيت الله صنع".

 

وبعدما ذكر سنده قال: "قوله (تنأنأت) يريد: ضعفت واسترخيت. قال الأموي عبدالله بن سعيد: يقال: نأنأت الرجل إذا نهيته عما يريد وتعففه عنه، فكأنه يعني: أني حملته على أن ضعف عما أراد وتراخى. وقال غير هؤلاء من أهل العلم: إنما سمي أول الإسلام النأنأة، لأنه كان والناس ساكنون هادئون، لم تهج بينهم فتنة، ولم تشتت كلمتهم. وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، يقول: لم يقو التشتت والاختلاف والفتن فهو ضعيف لذاك"([100]).

 

ويمكن تلخيص كلام أبي عبيد بأن نقول: "أي في أول الإسلام قبل أن يقوى ويكثر أهله وناصره. وأصل النأنأة: الضعف. وقيل إنما سمي بذلك لأن الناس كانوا حينئذ ساكنين هادئين. وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، أي لم يقو التشتت والاختلاف بينهم".

 

فلننظر كيف لخص بيان الحق: نقل الحديث بلفظ "طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام" ثم قال: "أي أول الإسلام قبل أن يقوى الإسلام. وأصل النأنأة: الضعف، ورجل نأنأ ضعيف. وإنما قال لأول الإسلام: النأنأة لأنه كان والناس ساكنون هادئون، لم تهج بينهم الفتن، ولم تشتت كلمتهم، فكأنه لم يقو التشتت والاختلاف"([101]).

 

المأخذ الأول هنا: أن بيان الحق نقل الحديث بلفظ "نأنأة الإسلام" والذي ورد في كتاب أبي عبيد: "النأنأة" بدون إضافة، وكذا في كتب الغريب الأخرى([102]). ثم خلط بين قولين، وجعل تأويل القول الثاني وهو "لم يقو التشتت.." علة للقول الأول وهو "قبل أن يقوى الإسلام" مع أنهما في كلام أبي عبيد قولان مختلفان، والقول الأول موافق لمعنى الكلمة في اللغة واضح لا يحتاج إلى تأويل، أما القول الثاني فتلطف أبو عبيد لتأويله إلى معنى القول الأول، ولذلك قال: "وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول"، فاستعمل "قد" ومن هنا قال بيان الحق: "فكأنه"، ولكن غفل بعد ذلك عن عدم ملاءمة تعليله هذا لما قال في أول الكلام "قبل أن يقوى الإسلام".

 

والجدير بالذكر أن الأزهري حينما نقل الحديث المذكور وكلام أبي عبيد في تفسيره لم يلتفت إلى القول الثاني. وكذلك صاحب الغريبين. وإنما أشار إليه الزمخشري بقوله: "ويجوز أن…"([103]).

 

مع هذه المآخذ التي ذكرناها آنفاً، لا يخفى ما لهذا الكتاب من قيمة علمية وتاريخية، من وجوه عديدة قد أبانت عنها المباحث السابقة.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

مراجع البحث([104])

 

 

 

أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للخطابي، تحقيق د. محمد بن سعد بن عبدالرحمن آل سعود، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1409 هـ= 1988م.

 

إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة 1406هـ.

 

بحوث وتحقيقات، عبدالعزيز الميمني، إعداد محمد عزير شمس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1995م.

 

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، 1399هـ.

 

تاريخ التراث العربي، فؤاد سزكين، المجلد الثامن، جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، بالرياض، 1408هـ

 

تاريخ بغداد للخطيب، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ.

 

تفسير الفخر الرازي، دار الفكر، بيروت، 1405هـ.

 

التكملة والذيل والصلة للصغاني، تحقيق عبدالعليم الطحاوي، دار الكتب، القاهرة، 1970م.

 

التهذيب في اللغة للأزهري، الجزء 15، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967م.

 

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم، تحقيق يوسف علي بديوي، دار ابن كثير، بدمشق، 1413هـ.

 

دليل الرسائل الجامعية في المملكة العربية السعودية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1415هـ.

 

ذخائر التراث العربي الإسلامي، عبدالجبار عبدالرحمن، مطبعة جامعة البصرة، 1403هـ = 1983م.

 

سير أعلام النبلاء للذهبي، تحقيق لفيف من الباحثين، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1410هـ.

 

طبقات المفسرين للداودي، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1392هـ.

 

علوم الحديث لابن الصلاح، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، 1406هـ = 1986م.

 

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، شمس الدين السخاوي، تحقيق على حسين علي، دار الإمام الطبري، 1412هـ.

 

فهرس المصورات الميكروفيلمية الموجودة بمكتبة مركز البحث العلمي. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1406هـ.

 

الفهرست لابن النديم، تحقيق رضا تجدد، طهران، 1971م.

 

في اللغة والأدب – دراسات وبحوث للدكتور محمود محمد الطناحي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2002م.

 

كتاب الدلائل في غريب الحديث، الدكتور شاكر الفحام، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1976م.

 

كتاب العين للخليل بن أحمد، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، الجزء الثامن، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1985م.

 

كشف الظنون، حاجي خليفة، طبعة محمد شرف الدين يالتقايا وزميله، مكتبة المثنى، بغداد.

 

مجلة آفاق الثقافة والتراث، مركز جمعة ماجد للثقافة والتراث، دبي.

 

مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق.

 

مجلة معهد المخطوطات العربية، الكويت.

 

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، دار عالم الكتب، الرياض، 1412هـ.

 

مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار الفكر العربي، الطبعة الثانية 1394هـ = 1974م.

 

المزهر للسيوطي، تحقيق البجاوي ورفيقيه، دار التراث، القاهرة.

 

معالم السنن للخطابي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416هـ.

 

معجم الأدباء، لياقوت الحموي، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993م.

 

المعجم العربي – نشأته وتطوره، الدكتور حسين نصار، مكتبة مصر، 1988م.

 

معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام 1980م. للدكتور أحمد خان. مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1421هـ = 2000م.

 

معجم المعاجم، أحمد الشرقاوي إقبال، دار الغرب الإسلامي بيروت، 1993م.

 

معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري، تصحيح السيد معظم حسين، تصوير طبعة دائرة المعارف العثمانية، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت.

 

نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات ابن الأنباري، تحقيق إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الأردن، 1405هـ.

 

هدية العارفين، إسماعيل باشا البغدادي، طبعة يالتقايا وزميله، مكتبة المثنى، بيروت.

 

الوافي بالوفيات، للصفدي، الجزء 18باعتناء أيمن فؤاد سيد، فرانز شتايز، شتوتغارت، 1411هـ.

 

الوسائل في مسامرة الأوائل للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406هـ.

 

وفيات الأعيان لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت.

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

 

المقدمة  1

 

التمهيد: لمحات عن علم غريب الحديث  4

 

(1) نشأة علم غريب الحديث 5

 

(2) الغرائب المشهورات ومناهجها 10

 

(3) من الغرائب المخطوطة    15

 

الفصل الأول: سيرة بيان الحق ومؤلفاته 19

 

(1) ترجمته من معجم الأدباء 20

 

(2) زيادات متفرقة  21

 

(3) مذهبه في العقيدة والفقه 22

 

(4) مؤلفاته 24

 

الفصل الثاني: كتاب جمل الغرائب 26

 

(1) غاية التأليف 26

 

(2) مصادر الكتاب  29

 

(3) ترتيب الكتاب  34

 

(4) منهجه في تفسير الحديث 37

 

(5) مآخذ على الكتاب   44

 

مراجع البحث    50

 

فهرس الموضوعات    55

 

 

 

 

 

([1]) علوم الحديث: 272.

 

([2]) ومن كتابنا هذا نقل حاجي خليفة عنوان الكتاب واسم مؤلفه في كشف الظنون: 131.

 

([3])المعجم العربي 1: 42-54. ومن المعلوم أن الكتاب المذكور أصله رسالة علمية نوقشت في 23/6/1953م، وطبعت لأول مرة سنة 1956م.

 

([4])ومنها رسالة ماجستير بعنوان "دراسات في غريب الحديث" أعدها الأستاذ بدر الزمان النيبالي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1407هـ. ومنها رسالة أعدها إبراهيم يوسف في دار العلوم بالقاهرة بعنوان "غريب الحديث حتى نهاية القرن السادس، ذكرها محقق غريب الحربي في مراجعه 3: 1409.

 

([5]) تاريخ بغداد 12: 403، وانظر الإنباه 3: 14.

 

([6]) معرفة علوم الحديث: 88. وعليه اقتصر السيوطي في كتاب الوسائل في مسامرة الأوائل: 101.

 

([7]) علوم الحديث: 273. لخص السيوطي في آخر المزهر 2: 295-414 كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي (351هـ) وجاء في ضمن ترجمة أبي عبيدة (2: 402): "وهو أول من ألف في غريب الحديث" والسياق يدل على أن ذلك من كلام أبي الطيب مثل سابقه ولاحقه، ولكن هذه الجملة ليست في الكتاب المطبوع بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

 

([8]) فتح المغيث 4: 24. كذا في المطبوع "بسبع" والصواب: بسبعة.

 

([9]) نزهة الألباء: 75

 

([10]) سير أعلام النبلاء 9: 331.

 

([11]) النهاية 1: 5.

 

([12]) في اللغة والأدب 1: 397.

 

([13]) الفهرست: 51.

 

([14]) المعجم العربي 1: 42-43.

 

([15]) إنباه الرواة 4: 148، وفيه: "في الحديث"، و"نشر" تحريف.

 

([16]) الوافي 18: 156.

 

([17]) إنباه الرواة 2: 77.

 

([18]) مراتب النحويين: 144.

 

([19]) معجم المعاجم: 23.

 

([20]) المرجع السابق: 23-41.

 

([21]) انظر ما سبق من كلام ابن درستويه في الفقرة السابقة، ومقدمة غريب الخطابي 1: 49-50.

 

([22]) غريب الحديث للخطابي 1: 50.

 

([23]) النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 6.

 

([24]) انظر تفصيل هذه الخلاصة في مقدمة المحقق لغريبه 1: 92-96.

 

([25]) النهاية 1: 6.

 

([26]) المرجع السابق 1: 9.

 

([27]) النهاية 1: 9.

 

([28]) صدرت طبعته الأولى في الهند عن دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن  في أربعة مجلدات سنة 1964-1967م، ثم حققه الدكتور حسين شرف تحقيقاً علمياً نشره مجمع اللغة العربية بالقاهرة في خمسة مجلدات سنة 1404- 1415هـ = 1984-1994م. ثم صدرت فهارسه في مجلد سنة 1419هـ = 1999م.

 

([29]) طبع بتحقيق الدكتور عبدالله الجبوري ببغداد في ثلاثة أجزاء سنة 1977م، ولم تكن في المخطوطات مخطوطة كاملة، فبقي فيها نقص. ولابن قتيبة أيضاً كتاب إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي عبيد حققه الدكتور الجبوري ونشرته دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة 1983م.

 

([30]) صدر الكتاب في ثلاثة مجلدات بتحقيق الدكتور محمد بن عبدالله القناص عن مكتبة العبيكان بالرياض سنة 1422هـ. ولا تشتمل هذه الطبعة إلا على تحقيق 376 صفحة من نسخة الرباط البالغة 614 صفحة. ولكن الناشر لم ينبه على هذا في أول الكتاب، فيحسب القارئ أنه يحتوي على ما وجد منه كاملاً.

 

([31]) طبع في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1402هـ بتحقيق عبدالكريم إبراهيم عزباوي.

 

([32]) نشرت هذه المجلدة جامعة أم القرى بمكة المكرمة، بتحقيق الدكتور سليمان بن إبراهيم العائد سنة 1405هـ. وقد حظيت هذه النشرة بتحقيق علمي متقن، وطباعة رائقة فائقة. وليت غرائب أبي عبيد وابن قتيبة والخطابي أيضاً طبعت على غرارها!

 

([33]) صدر الجزء الأول بتحقيق الدكتور محمود الطناحي في القاهرة ثم صدرت طبعة كاملة في دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن سنة 1407هـ. ونشرة أخرى كاملة صدرت عن المكتبة العصرية في بيروت سنة 1419هـ بتحقيق أحمد مزيد المزيدي.

 

([34]) نشر كتابه المجموع المغيث بتحقيق عبدالكريم إبراهيم عزباوي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1406هـ.

 

([35]) طبع لأول مرة سنة 1906م في دائرة المعارف النظامية بحيدرآباد الدكن، ثم صدر بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي عن دار إحياء الكتب العربية في القاهرة في السنوات 1945-1948م (ذخائر التراث: 551).

 

([36]) طبع لأول مرة طبعة حجرية سنة 1269هـ= 1852م في طهران، ثم طبع غير مرة في القاهرة، قبل صدوره بتحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي في السنوات 1963-1966م (ذخائر التراث: 39)، وقد نشر كتاب آخر لابن الأثير "منال الطالب في شرح طوال الغرائب" بتحقيق الدكتور محمود الطناحي في جامعة أم القرى سنة 1403هـ.

 

([37]) صدر كتابه "تفسير غريب الموطأ" وكتاب ابن عبدالحق "الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب" كلاهما بتحقيق الدكتور عبدالرحمن العثيمين سنة 1421هـ عن مكتبة العبيكان بالرياض.

 

([38]) كتاب مشهور طبع غير مرة.

 

([39]) طبع أولاً سنة 1248هـ=1832م في مطبعة نِوَلْكِشُور بمدينة لكناو (الهند). ثم طبع عدة مرات في الهند، انظرها في كتاب معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية: 259-260. والطبعة التي بين يدي هي طبعة مكتبة دار الإيمان بالمدينة المنورة سنة 1415هـ.

 

([40]) نشره الدكتور صلاح الدين المنجد سنة 1962م في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. المجلد 3: 414-427.

 

([41]) التكملة والذيل والصلة 1: (المقدمة). وبحوث وتحقيقات للميمني .

 

([42]) معجم المعاجم: 31.

 

([43]) تاريـخ التراث العـربي 8:. و نسبه صاحب معجـم المعاجم: 41 إلـى "أبي الكرم عبدالسلام بن محمد بن الحسن الحجي (من القرن السادس)" مع أنه ذكر نسخة بودليانا نفسها.

 

([44]) مجلة معهد المخطوطات العربية 29: 79.

 

([45]) دليل الرسائل العلمية: 364.

 

([46]) سير أعلام النبلاء 20: 16 وانظر المصادر الأخرى لترجمته في الحاشية.

 

([47]) لم أصب له ترجمة. ولعل أباه أبو جعفر أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي صاحب تاج المصادر المتوفى سنة 544هـ، وهو مشهور. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 20: 208-209.

 

([48]) معجم الأدباء 6: 2686.

 

([49]) بغية الوعاة 2: 277.

 

([50]) طبقات المفسرين 2: 311.

 

([51]) في البغية: خافٍ.

 

([52]) هدية العارفين: 403.

 

([53]) كشف الظنون: 205، 393.

 

([54]) المرجع السابق: 601.

 

([55]) باهر البرهان 3: 1405.

 

([56]) كشف الظنون: 601.

 

([57]) مقدمة باهر البرهان: 85-86.

 

([58]) المرجع السابق: 87-88.

 

([59]) تفسير الفخر الرازي 2: 145.

 

([60]) مجموع الفتاوى 6: 119.

 

([61]) باهر البرهان: 50، 855، 492 وانظر فهرس المسائل العقدية في ص 1810.

 

([62]) ينظر مثلا: جمل الغرائب: 271، 279، 281، وإيجاز البيان: 133 وباهر البرهان: 184، 185، 805.

 

([63]) انظر عناوينها وتفاصيلها في مقدمة تحقيق باهر البرهان: 98-108.

 

([64]) مقالة "من نوادر مخطوطات معهد البيروني في طشقند" للدكتور عبدالرحمن فرفور، مجلة آفاق الثقافة والتراث، المجلد الثاني، العدد الخامس: 94.

 

([65]) فهرس المصورات الميكروفلمية الموجودة بمكتبة مركز البحث العلمي 1: 104-105.

 

([66]) التكملة والذيل والصلة 1: 7 (المقدمة).

 

([67]) بحوث وتحقيقات للميمني 2: 388.

 

([68]) مقدمة تحقيق باهر البرهان: 209.

 

([69]) علوم الحديث: 272.

 

([70]) النهاية 1: 5.

 

([71]) غريب الحديث 1: 49.

 

([72]) الفهرست: 61.

 

([73]) معجم الأدباء 3: 1421.

 

([74]) فتح المغيث 4: 26.

 

([75]) غريب الحديث 1: 50.

 

([76]) المرجع السابق 1: 51.

 

([77]) وفيات الأعيان 4: 342.

 

([78]) معجم الأدباء 1: 254.

 

([79]) معجم الأدباء 2: 487.

 

([80]) تاريخ بغداد 12: 403.

 

([81]) معجم الأدباء 6: 2686.

 

([82]) غريب الحديث لأبي عبيد 4: 92-94.

 

([83]) جمل الغرائب: 40.

 

([84]) غريب أبي عبيد 2: 321.

 

([85]) جمل الغرائب: 92.

 

([86]) جمل الغرائب: 228.

 

([87]) أعلام الحديث 1: 553.

 

([88]) لم يرد قول الخليل هذا في العين 8: 391 وفيه: "الشيء إذا مال إلى السقوط تقول ناء ينوء نوءاً بوزن ناع، وإذا نهض في تثاقل يقال ناء…".

 

([89]) لعله نقل من كتاب الأنواء للزجاج، وقد نقل منه نصاً في كتاب باهر البرهان 3: 1391.

 

([90]) جمل الغرائب: 27-28.وانظر التهذيب في اللغة 15: 539.

 

([91]) جمل الغرائب: 158.وقد أنشد بيان الحق بيتي أبي الأسود ضمن شواهد أخرى في كتاب باهر البرهان 3: 1575.

 

([92]) جمل الغرائب: 271.

 

([93]) جمل الغرائب: 322.

 

([94]) أعلام الحديث 1: 430-431.

 

([95]) جمل الغرائب: 21.

 

([96]) انظر مجموع الفتاوى 6: 485، وحادي الأرواح: 476، صحيح البخاري ( مع ا لفتح ) 13/419 ح:7435، وقد ورد فيه:(( إنكم سترون ربكم عياناً )).

 

([97]) جمل الغرائب: 19.

 

([98]) غريب أبي عبيد 2: 227-229.

 

([99]) والسؤال بـ(( أين الله )) قد جاء صريحاً من قول رسول الله r كما في صحيح مسلم (1/382، ح:537) حيث قال للجارية: (( أين الله ؟)) قالت: في السماء، قال: (( من أنا؟ )) قالت: أنت رسول الله قال:، (( أعتقها فإنها مؤمنة )) ولفظ السماء المقصود به العلو، وقد شهد لها رسول الله r بالإيمان (اللجنة العلمية).

 

([100]) غريب أبي عبيد 4: 109-111.

 

([101]) جمل الغرائب: 40-41.

 

([102]) الغريبين 6: 1797. الفائق 3: 399. التهذيب في اللغة 15: 543. 

([103]) المراجع السابقة.

([104]) لم أذكر في هذا الفهرس كتب النيسابوري و كتب غريب الحديث التي ذكرت طبعاتها في أثناء البحث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب المختصر في أصول الحديث-الشريف الجرجاني

كتاب : المختصر في أصول الحديث-الشريف الجرجاني بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين ...